ومن ذلك أيضا اختلافهم في معنى الحرج في قوله تعالى ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾(١) : قال الشوكاني :" وقد اختلف العلماء في هذا الحرج الذي رفعه الله فقيل هو ما أحله الله من النساء مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين، وقيل المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر والصلاة بالإيماء على من لا يقدر على غيره وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض واغتفار الخطأ في تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة وكذا في الفطر والأضحى، وقيل المعنى أنه سبحانه ما جعل عليهم حرجا بتكليف ما يشق عليهم ولكن كلفهم بما يقدرون عليه ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج فلم يتعبدهم بها كما تعبد بها بني إسرائيل وقيل المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجا بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار والتكفير فيما شرع فيه الكفارة والأرش أو القصاص في الجنايات ورد المال أو مثله أو قيمته في الغصب ونحوه، والظاهر أن الآية أعم من هذا كله فقد حط سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف علي عباده إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذي شرعه الله وما أنفع هذه الآية وأجل موقعها وأعظم فائدتها "(٢)
*قاعدة مهمة : إذا دارت الأقوال حول معنى واحد فإنه يجمع بينها وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "الأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه …فإنَّ نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ كما أن نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح " (٣).
الاختلاف في عودة الضمير :

(١) - سورة الحج ٧٨
(٢) - فتح القدير ٣/ ٥٨٦
(٣) - الموافقات للشاطبي ٤/١٢١ بتصرف


الصفحة التالية
Icon