فلو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه، لكن المتأمل في قصصه وأمثاله وحكمه وأحكامه وما فيه من الوعد والوعيد مع التكرار والتنوع في العرض والتفنن في الأساليب لا يجد فيه أدني اختلاف أو تفاوت.
ومصداق هذا أيضا قوله عز وجل في سورة الزمر ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَي ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَي اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {٢٣﴾ } يشبه بعضه بعضا في كونه على أعلى رتبة في الفصاحة والبيان وروعة النظم وجمال الأساليب وسمو المقاصد ورفعة المعاني.
هذا وإن دراسة اختلاف المفسرين ومعرفة أسبابه وأنواعه وضوابطه من الأمور الضرورية التي لا غني عنها ؛ لمعرفة كيف نتعامل مع كتب التفسير، سيما ما ورد فيها من أقوال متعددة متنوعة، ومعرفة كيف نميز بين الاختلاف المحمود وبين الاختلاف المذموم، وكيف نرد على أعداء ديننا الذين جعلوا من الاختلاف ذريعة للطعن في كتاب الله تعالى بل وجعلوا من الأقوال الشاذة والروايات الواهية ملمزا ومُدَّخلا لمطاعنهم وأباطيلهم.
ومن أدعياء الإسلام من بات يوجه الافتراءات إلي المفسرين جميعا دون تفريق بين المحققين منهم وحاطبي الليالي : الذين يجمعون وينقلون دون تمييز بين الغث والسمين، بين الصحيح والسقيم ولا بين مفسري أهل السنة والجماعة ومفسري الفرق الضالة الذين حمّلوا النصوص ما لا تحتمل، يلوون الكلم عن مواضعه بكل تعسف وتكلف وإعراض وعناد وإصرار واستكبار، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
وفي هذا البحث نتناول معنى الاختلاف والفرق بينه وبين الخلاف وأنواع الاختلاف وأسبابه مع ذكر أمثلة لكل نوع، وبيان القواعد والضوابط التي نتعامل من خلالها مع أنواع الاختلاف.


الصفحة التالية
Icon