فقد يقول بعض المفسرين بالنسخ لمجرد التعارض، ولو أمعنوا النظر وأعملوا الفكر لما وجدوا تعارضا بين النصوص يدعو إلى القول بالنسخ، فإعمال النص خير من إهماله، ولقد توسع المتقدمون في النسخ حتى أدخلوا فيه ما ليس منه فاعتبروا التخصيص والبيان والتقييد من قبيل النسخ.
قال ابن القيم رحمه الله :"ومن تأمل في كلامهم – يعني المتقدمين- رأى من ذلك فيه ما لا يحصى وذهب عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر " (١)
مثال ذلك اختلافهم في قوله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {٢١٩﴾ } البقرة : فعن السدي في قوله ﴿قل العفو﴾ قال: هذا نسخته الزكاة، وعن طاوس قال: العفو اليسير من كل شيء، وكان مجاهد يقول ﴿العفو﴾ الصدقة المفروضة، " وقال الكلبي: كان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوما وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها. وقال قوم: هي محكمة، وفي المال حق سوى الزكاة " (٢).
والراجح أنها محكمة فلا تعارض بينها وبين ما ورد في شأن الزكاة المفروضة، لأن العفو هنا هو اليسير الزائد عن الحاجة، ولا شك أن الزكاة لا تفرض إلا على الأغنياء ونصابها يسير وهو زائد عن حاجة الغني فلا تعارض في ذلك بين هذه الآية والآيات الأخرى.
(٢) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٣/٤٢