المراد بالتقديم والتأخير :"جعل اللفظ في رتبة قبل رتبته الأصلية أو بعدها لعارض اختصاص أو أهمية أو ضرورة ". (١) وللتقديم والتأخير في القرآن الكريم أسباب عديدة منها إفادة القصر والاختصاص، ومنها الاهتمام بالمقدم والتشويق للمؤخر، ومنها مراعاة الترتيب حسب الأسبقية أو حسب الأفضلية، ومنها عودة الضمير علي مذكور سابق، وغير ذلك.
وأقول إن الأصل بقاء الكلام علي ترتيبه المتبادر من ظاهر النص، فلا نقول بالتقديم والتأخير إلا بقرينة تقرر ذلك.
مثال لهذا النوع من الاختلاف : قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {٧٢﴾ } هل هو سابق لقوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {٦٧﴾ }
قيل : هو مقدم في التلاوة، مؤخر في المعنى على قوله تعالى( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٧٢﴾) لأن أمر موسي لقومه بأن يذبحوا بقرة كان في الترتيب الزمني بعد قصة القتل المذكورة في الآية الثانية.
قال الشوكاني رحمه الله : ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها، ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروه أن يضربوه ببعضها، ثم علق بقوله: هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب، وقد تقرر في علم العربية أنها لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية. (٢)
(٢) - فتح القدير - ١/١٢٦.