وقال القرطبي رحمه الله :" قوله تعالى: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" مقدم في التلاوة وقوله "وإذ قتلتم نفسا" مقدم في المعنى على جميع ما ابتدأ به من شأن البقرة. ويجوز أن يكون قوله: "قتلتم" في النزول مقدما، والأمر بالذبح مؤخرا. ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع في أمر القتل، فأمروا أن يضربوه ببعضها، ويكون "وإذ قتلتم" مقدما في المعنى علي القول الأول حسب ما ذكرنا، لأن الواو لا توجب الترتيب. ونظيره في التنزيل في قصة نوح بعد ذكر الطوفان وانقضائه في قوله: "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين" إلي قوله "وما آمن معه إلا قليل" [هود: ٤٠]. فذكر إهلاك من هلك منهم ثم عطف عليه بقوله: "وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها" [هود: ٤١]. فذكر الركوب متأخرا في الخطاب، ومعلوم أن ركوبهم كان قبل الهلاك."(١)
أقول والأولى حمل الكلام على ترتيبه والله أعلم بمراده.
ومنه أيضاً قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {٥٥ ﴾ سورة آل عمران )، اختلف فيه على أقوال:

(١) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١ /٣٠٩


الصفحة التالية
Icon