فهؤلاء الأئمة في هذا اللسان، ثم بنى على ذلك مَن جاء بعدهم من العلماء باللغة ممن ثُقِّفَت له الفطن، حتى جعلوا له ديوانا يُفْزَعُ إليه، ويعتمد عليه، فإذا وجدوا اللحن في كلامهم ردوه إلى ذلك المعيار ؛ فوزنوه به، فقوَّموه، وهذا ليس للأمم، وهو علم جسيم، له خطر عظيم، ونظرنا في السمات التي وسمت العرب بها كلامها من الخفض والنصب والرفع ؛ فوجدناهم أدخلوا ذلك للإيجاز في القول، والاكتفاء بقليله، الدال على كثيره، فقالوا : ضرب أخوك أخانا، فدلوا برفع أحد الأخوين، ونصب الآخر على الفاعل والمفعول به، ولو كان مخرج الكلامين واحدا، فقيل : ضرب أخوك أخونا، أو أخاك أخانا، لم يعلم السامع أيهما الضارب، ومَن المضروب، وكذلك سمّوا معنيين باسم واحد، فاجتمع لهم التوسعة في الكلام، والإيجاز في القول، من ذلك الضرب / كلمة واحدة تحتها تفسير بوجوه، فقالوا للضرب في الوجه : ٤ ب لطماً، وفي القفا : صفعاً، وفي الرأس : شجَّا إذا دَمِي، فكان قولهم : لطم فلانٌ فلاناً أوجز من قولهم : ضربه على وجهه، وقولهم : صفعه أوجز من قولهم : ضربه على قفاه، فوسموا الحرفين كلاهما بسمة، فعبرت عن كلمتين ٠
... فالنحو معيار جميع كلام العرب، ما كان منثورا ومنظوما، وبالنحو يُرتَّل كلام الله الذي هو القرآن، فيعرب كل حرف منه به، ويُقوَّم عليه، ومعنى النحو : القصد والحذو، ويقال : ينحو ذلك النحو، أي يحذو ذلك الحذو، ويقال : أخذ نحوه إذا قصد قصده، فكأنهم يقيموه نحواً ؛ لأنهم حذوا بعضه حذو بعض ٠


الصفحة التالية
Icon