ثم كان امرؤ القيس، وهو أول من ابتدع في الشعر أشياء كان السابق إليها٦أ من استيقاف صحبه في الديار، وذكر الطلول، وشبَّه النساء بالظباء، والخيل بالعقبان والعصا، وقيَّد الأوابد ؛ فاتَّبعه الشعراء على ذلك، واستحسنوه منه، ولمّا أراد الله من صيانة هذه اللغة، وادّخارها إلى الوقت الذي أنزل بها كتابه وبعث بها رسوله عليه السلام، ألهمهم فتكلموا بالشعر الرصين المحكم، من غير أن يعرفوا عَروضا أو نحواً، حتى أبرزوه في ذكر الإحسان والمآثر، ومدح الملوك والنبلاء، وفي ذكر المثالب والسباب، وهجاء أهل الضغائن، وفي الوقائع والحروب، ونشر كل شاعر محاسن أيام قبيلته، ومفاخرها، ومساوئ أهل الشنآن والبغضاء، واستفتحوا كلامهم بذكر النسيب، وبسطوه بصفات الديار والقفار، والنُّجع والأمطار، ونعت الخيل والإبل والوحش، وغير ذلك مما يطول ذكره ؛ فتقيدت به الألفاظ العربية، والمعاني اللطيفة، وحفظه الرواة، ودوّنوه، فرواه السلف للخلف، واصطلح أهل المعرفة على صحة أصول اللغة فيه، فرغب في تعلمه أهل الهمم، وصار ديوانا لهم في الجاهلية، عليه يعتمدون، وبحكمه يرتضون / وصار الشعراء فيهم بمنزلة الحكام، يقولون ؛ فيُرضى قولهم، ٦ ب ويحكمون فيمضي حكمهم، وكان علقمة بن علاثة (١)، وعامر بن الطفيل (٢)

(١) - قال ابن الكلبي في كتاب جمهرة النسب هو علقمة بن علاثة بن عوف بن ربيعة، ويقال له الأحوص لصغر عينيه، ابن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان - وكان عمر، رضي الله عنه استعمله على حوران، فامتنع من ذلك، وفيات الأعيان ٥/١٩٢
(٢) هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلابٍ العامري، وهو ابن عم لبيد الشاعر وكان فارس قيسٍ، وكان أعور عقيماً لا يولد له، ولم يعقب، وكان عامر أتى النبي ﷺ فقال له: تجعل لي نصف ثمار المدينة وتجعلني ولي الأمر من بعدك وأسلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اكفني عامراً واهد بني عامر". فانصرف وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا جرداً، ورجلاً مرداً، ولأربطن بكل خلةٍ فرساً، فطعن في طريقه، فمات وهو يقول: غدةٌ كغدة البعير، وموتٌ في بيت سلوليةٍ!!ويكنى أبا علي، وهو الذي نافر علقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة الفزاري، حين أهتر عمه امر بن مالكٍ ملاعب الأسنة ٠ الشعر والشعراء ـ ابن قتيبة، ص ٢٠٧


الصفحة التالية
Icon