... ونحن ذاكرون في كتابنا هذا بعون الله وتوفيقه معاني أسماء، واشتقاقات ألفاظ وعبارات عن كلمات غريبة، يحتاج الفقهاء إلى معرفتها، ولا يستغني الأدباء عنها، وفي تعلمها نفع كثير، ونبدأ بذكر أسماء الله تعالى وصفاته، وذكر معانيها، وما يجوز أنْ يُتأول منها، ثم نتبع ذلك بذكر أسماء لها ذكر في الشريعة، فنذكر معانيها واشتقاقاتها ؛ لأن أرفع درجات العلماء، وأجلّ مراتب الأدباء، معرفة أسماء الأشياء، والعلم بحقائقها، فإن الله تعالى أظهر فضيلة آدم بأن علمه [الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٠ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ] (١) وإنما صار الفضل في معرفة أسماء الأشياء ؛ لأن كل شيء يعرف باسمه، ويُستدل عليه بصفته، والصفة تقوم مقام / الاسم، وتكون خلفا منه، والله تعالى يُعرف بأسمائه، ٩ب ويُنعت بصفاته، ولا درك للمخلوقين إلى غير ذلك، وصفاته أسماؤه، كقولك : الرحمن الرحيم، هما من صفاته، وهما أسماؤه، وكذلك أسماء المخلوقين وصفاتهم، فكل شيء يعرف باسمه، ويُستدل عليه بصفته من شاهد يُدرك، وغائب لا يُدرك، وربما يُدعى الشيء باسم لا يُعرف اشتقاقه من أي اسم هو، بل يكون مصطلحا عليه، قد خفي على الناس ما أُريد به، ولأي شيء سُمي بذلك الاسم، كقولك : الفرس والحمار والجمل والحجر، وأشباه ذلك، ومن الأسماء أسماء مشتقة من معان قد فَسّرت العلماء اشتقاقها ومعانيها، كقولك : آدم، قالوا : إنما سُمي بذلك لأنه أُخذ من أدم الأرض، والإنس سمي بذلك لظهوره، والجن لاختفائه، ويكون اسم بمنزلة الصفة، كقولك : محمد، مشتق من الحمد، والحسن، مشتق من الحُسن، والحمد والحسن مصطلح عليهما، وعلى هذا كل اسم مشتق من غيره، فالأول

(١) البقرة ٣١ ـ ٣٢


الصفحة التالية
Icon