وأهل بيته، ولم يتمجس أحد منهم قبله غيره ٠
... ونقول : إن الأعمال التي في شريعة الإسلام قد كان مثلها في اليهود والنصارى، ولكن لم يكونوا يسمونها هذه الأسماء ؛ لأن شرائعهم لم تكن بلسان العرب، فلما جاء الله بالإسلام، وبيّن هذه الأشياء، اقتدوا بأهل الإسلام، وصاروا عيالا عليهم، وقبلوا منه صلى الله عليه، مع تكذيبهم إياه آيات محكمات / وكلمات بينات أُتي بها في هذه الشريعة لم تعرفها الأمم، فلما وردت ١١ أ عليهم قبلوها قبولا اضطرارا، فأول ذلك كلمة الإخلاص، وهي قول : لا إله إلاّ الله، هذه كلمة جعلها مركز دين الإسلام وقطبه، ولم تكن الأمم السالفة تقولها على هذا اللفظ بهذا الاختصار، فلما قالها، ودعا الناس إليها، فاستعظمت العرب ذلك ؛ لأنهم كانوا يسمون أصنامهم آلهة، فقال الله حكاية عنهم :[ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ] (١) يعني جاءتها وهي الحق، وإلى ذلك دعا المرسلون، ولكن لم يؤدّوها على هذا اللفظ، بهذا الكمال والاختصار، وقبِلها أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ثم [ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] (٢) هي آية أنزلها الله على محمد عليه السلام، وجعلها فاتحة الكتاب، وفاتحة كل سورة، فصار ذلك قدوة لجميع الأمم، قد أقرّوا بفضلها، وجعلوها مُسَطّرة في صدر كتبهم، ولم يكن ذلك لسائر الأمم، ولا عرفوها إلاّ ما ذكره الله عن سليمان بن داود أنه كتب بها إلى بلقيس، فلم يدوِّنوها هذا التدوين، ولا عرفوا لها الفضل المبين حتى جاء الله بالإسلام، فقبلتها (٣) الأمم أحسن قبول، هذا إلى الكلمات غيرها، مثل قوله :[ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] (٤) وقد كان

(١) الصافات ٣٥ ـ ٣٧
(٢) الفاتحة ١
(٣) كتبت : فقبلها
(٤) الفاتحة ٢


الصفحة التالية
Icon