وقيل : إن الجن دون الملائكة بدرجة، لأن الملائكة خلقوا من الماء والنور، والجن خلقوا من الماء والنار، فالنار والنور هما شكلان، فمن أجل ذلك يتراءيان يعني الملائك والجن، والإنس ليسوا من جنسهم، والإنس ضد الجن في اللغة ؛ لأن الجن سميت بذلك لاستتارها على ما ذكرنا، والإنس سمي بذلك لظهوره، وإدراك البصر إياه، يقال : آنست الشيء إذا أبصرته، قال الله تعالى :[آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا] (١) يعني أبصر، وقيل في معنى قوله :[فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا] (٢) أي رأيتم فيهم ذلك، وإنما سمي الذي يؤنس الناس مؤنسا وأنيسا ؛ لأنهما يتراءيان، يقال : أنست بفلان إذا ألفته، والعرب تقول للجانب الأيسر إنسي ؛ لأنهم منه يركبون، وينزلون، ويسرجون، ويحزمون، وللجانب الأيمن وحشي ؛ لأنهم لا يأتون شيئا من هذه الأعمال من الجانب الأيمن / وقال بعضهم سمي إنسانا لأنه نسي، ٣٢ أ قال الله تعالى :[ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ] (٣)، وأنشد (٤) :" من الطويل "
وسُمِّيتَ إنْساناً لأنّكَ ناسي
وهذا قول غير مرض، وقال آخرون : سمي إنسانا من أنسْتُ بالقصر لا بالمد، وأنشد لمهلهل (٥) :" من الطويل "
...... وَلمَّا دَنا حِينُ التَّصرُّمِ بغْتَةً أَنَسْتُ الذي مِنهُ الفؤادُ تقطَّعا
أي أظهرت ما بي من الوجد، والإنس ضد الجن على ما قلنا ؛ لأن الجن مستورون والإنس ظاهرون ٠
(٢) النساء ٦
(٣) طه ١١٥
(٤) ذكر في تاج العروس ( انس) من غير عزو
(٥) لم أجده في ديوانه ٠ ولا في غيره من المصادر التي اطلعت عليها ٠