والمتأمل في قوة تأثير القرآن ؛ يجد أنه قد بلغ مبلغًا عظيمًا ؛ فهو جامع بين قوة الإيمان، وتدفق البلاغة، وروعة البيان، وقوة الخطاب، وعذب الكلام، وهو النور المبين، والسراج المنير، لما سمعته الجن قالوا :(إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) الجن (آية: ١، ٢)، فجمعوا بين الإيمان والتقوى، المتضمن لجميع أعمال الخير، وترك أعمال الشر، وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه ؛ ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد، واجتناب المضار ؛ فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة لمن استنار به، واهتدى بهديه.
وقد أقر بعظمة هذا القرآن وتأثيره فصحاء العرب وبلغاؤهم، فأثر في بعضهم وغيَّر في حالهم من جهل إلى علم، ومن شرك إلى توحيد، ومن فرقة وفوضى، إلى اجتماع وائتلاف، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وازداد المؤمنون إيمانًا، واطمأنت نفوسهم، واستبشرت قلوبهم، قال تعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال (آية: ٢)
وهكذا ؛ فإن قوة تأثير القرآن تعتبر وجهًا من أوجه الإعجاز في الكتاب العزيز، قال تعالى : ؟ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر (آية: ٢٣)