فالانغماس في المعاصي والسيئات يورث القلب - الذي هو وسيلة فهم القرآن والانتفاع به والتأثر - الطبع والختم وهما مانعان من فهم القرآن والانتفاع به كما نصت عليه الآيات.
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ (التوبة: ١٢٤، ١٢٥).
وفي هذه الآيات يخبرنا الله جل وعلا أن مرض القلب بشبهة أو بشهوة ليس فقط مانعاً من فهم القرآن والتأثر به، بل هو زيادة على ذلك جاعل تلك الآيات تزيده رجساً ومرضاً.
يقول ابن القيم رحمه الله: (فإن القلب إذا كان ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع....
والقلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره... فإن القلب إذا امتلأ بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم تجد فيه فراغاً لها ولا قبولاً، فتعدته وتجاوزته إلى محل سواه)(١٨).
وقال تعالى: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ (البقرة: ١٧، ١٨)
وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ (الجاثية: ٢٣).
فمن الموانع التي تمنع القلب من التأثر والانتفاع بالقرآن الصمم والعمى والغشاوة والبكم.


الصفحة التالية
Icon