قال القاضي عياض : لاخلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث تشهد لهذا ؛ ولكن صلة الرحم درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام ولو بالسلام. ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة ؛ فمنها واجب، ومنها مستحب. ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها لايسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لايسمى واصلا( (١) ).
حسن الظن والعشرة :
قال تعالى :﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾(٢)، والظن هنا عند الجمهور بمعنى اليقين، ومنه قوله تعالى :﴿ إِنّى ظَنَنتُ أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ ﴾(٣)، وقوله :﴿ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ﴾(٤)، ( (٥) ) وقال تعالى :﴿... وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ...﴾(٦)، والظن هنا بمعنى اليقين أنه لانجاة من أمر الله الا باللجوء اليه والتوبة والإنابة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ :( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) ( (٧) ).
ويقول القرطبي في معنى قوله تعالى :﴿... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...﴾(٨)، أي على ماأمر الله به من حسن المعاشرة. والخطاب للجميع ؛ إذ لكل أحد عِشرة، زوجا كان أو وليا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب هو الأزواج ( (٩) )

(١) شرح مسلم للنووي – ( ١٦/١١٣)
(٢) سورة البقرة : ٤٦.
(٣) سورة الحاقة : ٢٠.
(٤) سورة الكهف : ٥٣.
(٥) تفسير فتح القدير - الشوكاني
(٦) سورة التوبة : ١١٨.
(٧) صحيح مسلم – حديث ٥١٢٥
(٨) سورة النساء : ١٩.
(٩) تفسير الجامع لأحكام القرآن - القرطبي


الصفحة التالية
Icon