ولهذا كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يقولون: (ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون. وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون صخابًا، ولا صياحًا، ولا حديدًا) (١).
وقالوا: (لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن بعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى، وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار، وينبغي له أن يتواضع للفقراء ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها، إن خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء ويأخذ نفسه بالرفق والأدب، وينبغي له أن يكون ممّن يؤمن شره، ويرجى خيره، ويُسلم من ضرّه) (٢).
وكل ذلك ليكون قدوّة لغيره، منارًا ومشعل هداية للعامة والخاصة من المسلمين، أليس يحمل في جوفه معجزة محمد ﷺ الخالدة.
وحين سئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبيّ ﷺ أجابت السائل بقولها: كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن؟! قول الله عز وجل ؟وإنك لعلى خلق عظيم؟ (القلم: ٤) (٣).
قال النووي: (معناه العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأديب بآدابه
والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره وحسن تلاوته) (٤).
فجميع مكارم الأخلاق يجب أن تتمثل في أقوال وأفعال متعلم القرآن
(٢) روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. تفسير القرطبي (١/٢١)
(٣) أخرجه أحمد في مسنده (٦/٩١)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل (٧٤٦).
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (٦/٢٦).