وقد أجمل القرطبي رحمه الله تعالى صورًا من تعظيم القرآن الكريم رعاية لحرمته وقدسيته، فقال: (ومن حرمته إذا وضع المصحف أن لا يتركه منشورًا، وألاّ يضع فوق شيئًا من الكتب، حتى يكون أبدًا عاليًا لسائر الكتب علمًا كان أو غيره، ومن حرمته أن يضعه في حجره إذا قرأة، أو على شيء بين يديه، ولا يضعه على الأرض. ومن حرمته ألاّ يمحوه من اللوح بالبصاق، ولكن يغسله بالماء... ومن حرمته أن لا يتوسّد المصحف، ولا يعتمد عليه، ولا يرمي به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله... ومن حرمته أن لا يكتب على الأرض) (١). وقال رحمه الله تعالى: (وقد وصفه الله بأنه في كتاب مكنون، لا يمسه إلاّ المطهرون، فإذا كان فوق السموات مكنونًا محفوظًا أولى، ألا ترى أنه منهيّ أن يمسّه إلا طاهر، فأولى أن ينهى أن يعرضه للإهانة أو يغفل عنه، فيصيبه غبار البيت إذا كُنّس، أو الدخان، أو يعمل عليه حسابه، أو مفتاح حانوته، إلاّ أن يكون مصحفان فيوضع أحدهما فوق الآخر فيجوز) (٢).
أمّا تعظيم حملة كتاب الله، وتوقيرهم، وإجلالهم، فيكفي في ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين من الناس». قالوا: يا رسول الله، من هم ؟ قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته» (٣).
أي حفظة القرآن، يقرأونه آناء اللّيل وأطراف النّهار، العاملون به، فهم أولياؤه المختصّون به، اختصاص أهل الإنسان به (٤).
قال المناوي: (سُمّوا بذلك تعظيمًا لهم، كما يقال بيت الله) (٥).

(١) تفسير القرطبي (١/٢٨ – ٣٠).
(٢) التذكار في أفضل الأذكار (ص ١١٢ – ١١٣).
(٣) أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب فضل من تعلم القرآن، وعلّمه (٢١٥)، والنسائي في الكبرى (٥/١٧) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وصححه الحاكم في المستدرك (١/٧٤٣)، وفال في مصباح الزجاجة (ص ٢٩): (هذا إسناد صحيح، رجاله موثقون).
(٤) انظر: حاشية السندي (١/٢٠).
(٥) فيض القدير (٣/٦٧).


الصفحة التالية
Icon