و شيءٌ آخر و هو أنّا لم نختر فيما يختلف فيه المعنى لنقرأه كيف شئنا، و ليس في اختلاف اللغات باختلاف المعاني سِعَة على قَارئ القرآن، إذ لا بد من تحفّظ كل شيء منها و ذلك زيادة في شُغلِه (١).
و قد قال أبو عبيد في معنى السبعة الأحرف: إنَّها سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحَرفُ مِنها بلغة قبيلة، و الثاني بلغة أُخرى سوى الاولى، و الثالث بلغة الاخُرى ثالثة سِواهما، كذلك الى السبعة، و بعض الأحياء أسعدُ بها و أكثر حَظاً فيها من بعض (٢).
و ذَكر مثله الأزهري، عن المُنذري، عن أبي العباس أحمد بن يحيى إلا أنَّهم لم يذكروا تلك الأحرف، و لم يُبَيِنُوا سَبيل ما قَصَرَهُ الخبَر على سَبعة.
قلت: و أحسنُ ما قِيلَ في تَفسير هذا الحديث و أوضَحُه ما قَاله شيخنا الإمام الهادي أبو عبد الله محمد ابن الهيصم -رحمه الله ورضوانه عليه- و ذلك أنّه قال: و الذي عِندي في هذا المعنى أنَّ الواجب فيما جاء من إنزال القرآن على سَبعة أحرُف هو أنْ نَعتبر ما هُو الفائدة مِنْ ذلك أولاً، ثم يَحْمِل الخَبَر على ما هُو أحرى بها (٣) و أوفق بها، و قد دَلَّ حديث عمر بن الخطاب أنَّ الفائدة من ذلك اليُسرُ و التَوسِعَة في قِراءته، و دَلَّ حديثُ زرّ عن أُبيّ على أنَّ الفائدةَ مِنها التسهيل على مَنْ يُقرئُه، أُمياً لا يُطَوِعُ لسانه لإقامة حروفه، أو شيخاً كبيراً قد نشأ على لغة يخالف بعض حروفها ظاهر التلاوة، حتى مَرَّنَ عليها طِباعه، واستمرت بها عاداته، فتعذَّر عليها الاقلاع عنها والنقل الى غيرها.

(١) مقدمة كتاب المباني ٢١٧-٢١٨.
(٢) فضائل القرآن ٢/١٦٨-١٦٩.
(٣) في الأصل (إليها).


الصفحة التالية
Icon