وذكرَ أبو حاتم السَجستاني أنَّه سمع حَتْرُش بن ثِمال، وهو عربيّ فصيح، يقول في خطبته: الحمد لله إحمدُه و إسْتَعينه و إتوكَلُ عَليه، فَيَكسِرُ الألفات كلها /١٣ظ/، وأكثرُ العَربِ يَجعَلُون القاف تقاربُ الكاف في السماع، ورأيتُ غيرَ واحد منهم يجعل الجيم كأنها تُقاربُ الياء ضَرباً من المقاربة، وهؤلاء لو أخذوا بما يخالف عاداتهم لتَعسَّر عليهم، فَيَسَّر الله - عز وجل- عليهم بلطفه ليقرأ كُلُّ فريق منهم بما هو من عادته، وليس لغيرهم أنْ يَسْلُكَ في القراءة مَسْلَكَهم ولكن يَلزَم التِلاوة المنقولة عن رسول الله - صلى الله عليه. وكان هذا التيسير من الله -تعالى- بأنْ أنزَلَ القرآن على سبعةِ أحرف، أي على سبعة أوجه، تتخالف بها لغات العرب وعاداتهم ليكون دليلا على أنَّ ما يجري ذلك المجرى مِمَّا يَخْرُجُ اليه الغالطُ ليس فيه إثمٌ و لا حَرج، و كذلك ما يجري مجراه ممّا تَجرُّ اليه طِباع مَنْ نَشَأ على لُغةٍ تُخالِفُ ظَاهرَ التِلاوة لم يُلزِمه فيه لائمة، ولولا ذلك كان يكون الأمر مَقصُوراً على ما نَزَل في القُرآن من الاختلاف فقط و لم يكن في ذلك كَبير يُسر، بل كان حِفْظُ تلك الوجوه زِيادة في الشُغل، لكنها لمّا صارت دليلا على اليُسر الذي ذَكرناه في وَضْعِ الحرج عَمَّا يشاكلها من الغلط و مخالفة ظاهر التلاوة عَظُمَت فائدتُها واتسعَ الأمرُ بِها وتَيَسَّرَ (١)
قال الشيخ الامام أبو عبد الله محمد بن الهيصم -رضي الله عنه-: ثُمَّ إنّي تَدَبَرتُ الوُجوه التي تَتَخالف بها لغات العرب فوَجَدتُها على سبعة أنحاءٍ لا تزيدُ و لا تَنقُص، وبجميع ذلك نَزَل القرآن (٢).

(١) مقدمة كتاب المباني ٢١٩-٢٢١.
(٢) انظر: هذه الوجوه بنصها في مقدمة كتاب المباني ٢٢١-٢٨.


الصفحة التالية
Icon