فأما تَضاد المعاني و تَنافيها فليس بموجود في كتاب الله و قراءات القرآن إلاّ ما كان من ناسخ و منسوخ، و ذلك ليس بتضاد في المعنى و إن ظنَّ به ذلك من لا يعرف حقيقة النسخ من قبل، إنَّ الأمر المنسوخ إنمّا كان في علم الله و إرادته الى أجل معلوم لم يكشف عنه مبدأ الأمر، ثمَّ لمّا أن تناهت مُدة الأمر و حَلَّ الأجل أبان عن تناهيها و كَشَف عن حكمته، و ذلك بمنزلة ان يأمر الطبيب مَريضا بلُزُوم ضَربٍ من الطعام الذي يَراه أوفق به و لم يُبَيّن له الأجل، حتى إذا تَغَّيرَّت حال المريض و علم الطبيب أنَّ غير ذلك الطعام أوفق به نَهاه عنه و أمره بغيره، و ليس في ذلك تضاد، ألا ترى أنّه عز وجل لو أبان في أول الأمر عن الأجل و الأمر المعاقب له فقال: استقبلوا بيت المقدس تُصَلُّون الى تمام ثمانية عشر شهراً، ثم ولُّوا وجوهكم شطر المسجد الحرام، لم يكن فيه تناقض و لا تضاد، و هذا القدر كاف في هذا. وبالله التوفيق (١).
الباب الثالث
في ذكر كيفية أخذ القراءة و الاختلاف بين القُرّاء على عهد رسول الله
صلى الله عليه
كان رسول الله صلى الله عليه يعرض القرآن على جبريل ]كل عام في شهرَ رمضان [ ١٨و/ فيعرّفه ما يزيد الله فيه و ينقص من الناسخ والمنسوخ و غير ذلك، و يَقِفُه على مواضع الحروف (٢).
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد العزيز الحيري بإسناده، عن أبي عبيد، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه بما أُنزل عليه في سائر السَّنة في شهر رمضان (٣).
(٢) ينظر: الطبقات الكبرى لأبن سعد ٢/١٩٤-١٩٥، صحيح البخاري ٦/٢٢٩-٢٣٠.
(٣) فضائل القرآن لأبي عبيد ٢/١٨٨.