و عن عروة بن الزبير، قال: إنّما قراءة القرآن سُنَّة من السُنَن فأقرؤوا كما عُلِّمْتُموه (١). وعن الشعبي قال: القِراءة سُنة فاقرؤوا كما قرأ أوّلوكم (٢).
وممّا يدلُّ على ذلك أيضاً أنّك لا ترى أحداً من القرّاء المعروفين إلاّ و هو يسند قراءته الى غيره حتى ينتهي الى رسول الله صلى الله عليه، و يذكر أنّه لم يَقْرَأ برايه حرفا، فأما عاصم و نافع و أبي عمرو و غيرهم لم يكن له ذلك، ولو كان له ذلك لاستغنى كلُّ واحد منهم من ان يقول: قَراتُ على فُلان و قَرأ فُلان على فُلان، حتى تنتهي القراءة الى رسول الله صلى الله عليه، و أيضأً لو كان لأحد أن يقرأ بما يقرأ رسول الله صلى الله عليه لكانَ الرجلُ من الصَحابة إذا قرأ بحرف لم يقرأ به صاحبه لم يؤاخذه به، و لا أنكر ذلك عليه كما أنكر عمر على هشام بن حكيم حين قَرأ سورة الفرقان حتى قال لهما رسول الله صلى الله عليه: كلاكما محسن، إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، فاقرؤا ما تَيَّسَر (٣).
قال علي بن عيسى: القراءات المعروفة كلُّهامُنَزلة لمجئ التواتر بها، ولأنّه لوساغ جَحَد نُزول إحداها لساغ جحد نزول الأُخرى.
فإنّ قيل: تنكر أن يكون إحدى القراءتين مَنزِلة و الاخرى مُغَيَّرة، فالجواب أنه لا يجوز ذلك لأنّه أُخِذَ على الناس أن يؤدوا لفظ القرآن كما أخذ عليهم أن يُؤَدُوا معناه، و دليل ذلك قوله: نزل القرآن على سبعة أحرف مع ما تقدم في تفسيرها.

(١) السبعة ٥٢.
(٢) المصدر نفسه ٥١.
(٣) تنظر ص من هذه الرسالة.


الصفحة التالية
Icon