فإن قال قائل: فهل يجوز لنا أنْ نقرأ كل ما يرد من /١٩و/ القراءات عن الصحابة و التابعين إذا اتفقت معانيها؟ قيل له: نعم: ، غير أنّ المُستَحَب عِندَنا أن يقرأ ما يوافق مصحفنا، و لا يخرج من قراءات القرّاء المعروفين من غير أن يلحق ما شذّ منهاإنكاراً؛ لأن كل حرف شاذ يردُ عن رجل من الصحابة و التابعين لا يخلو من أحد أمرين: أما أن يكون أثَرُهُ من رسول الله صلى الله عليه، فواجبٌ علينا أنْ لا نردَّه، وأما أن يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه أو ممَّن سمع منه غير الحرف الذي قرأ به، فمضت عليه الدهور و لحقه من النسيان ما يلحق البشر، فقرا بخلاف ما سمع فلا ] كلمة مطموسة [ لنا أن لا نتهمه، و لا نلحقه إنكاراً إذا كان ما قرأ به سائغاً لأنَّ الله تعالى لا يؤاخذه بذلك إذا لم يقصد إلاّ الصواب، و على هذا السبيل كان المتقدمون فيما بلغنا.
أخبرنا الحسن بن الحسين المقرئ إجازة، قال: أخبرنا عبد الرحمن ابن محمد، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين، قال: حدثنا أبو سالم محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، قال: سمعت الكسائي يُخْبِرُ، عن زائدة، عن الأعمش، عن ابراهيم عن بعض أصحاب عبد الله، قال: جعل عبد الله يقول لرجل: (و الذِينَ آمَنُواو أتبعتهم ذُرِيَتُهُم (١) بإيمان ألحَقْنَا بِهِم ذُرِيَتَهُم (٢) ]الطور٢١[ على واحدة، و جعل الرجل يقول: (ذُرِياتِهِم ) على الجماع، فجعل عبد الله لا يزيد على أن يقرأها واحدة حتى ذكر أنّه بلغ عشرين مرّة لا يقول له ليس هكذا (٣).
(٢) قرأ نافع و ابن عامر و أبو عمرو (ذُرِيَاتِهِم). ينظر: معاني القرآن للفراء ٣/٩٢، إعراب القرآن للنحاس ٣/٢٥٢، إتحاف فضلاء البشر ٤٠٠.
(٣) المصنف لأبن أبي شيبة ١٠/٥١٤.