في معنى بيت الجزري في حكم تعلم التجويد
إن علماءنا الكرام على مر تاريخنا لم يقصروا في خدمة كتاب الله تعالى وعلومه، ومن بين هذه العلوم علم التجويد، فكان في كل عصر من يحمل عبء تعلمه وتعليمه والتأليف فيه وتحقيق مسائله حتى غدت لدينا مكتبة في علم التجويد لا يحصى عدد كتبها والمؤلفات فيها، منها المطول ومنها المختصر، ومنها النثر ومنها النظم، ومنها المتن ومنها الشرح ومنها الحاشية، فلم يتركوا مسألة من مسائله إلا فصلوا فيها الكلام، وأزاحوا عنها اللثام.
لكن المطالع لكتبهم لا يجد منها تعرضاً لحكم تعلم التجويد كالقرطبي (ت٤٦١هـ)(١) والعطار (ت٥٦٩هـ)(٢) إلا البيت الذي ذكره الجزري وما شرحه الشراح له، وسيأتي ذكر ذلك؛ ولعل سبب ذلك أنه حكمه أمر معلوم للخاصة والعامة لا يحتاج إلى ذكر، وهذا لا يكون إلا إذا كان حكم تعلم سنة ومستحب، فهذا الحكم لا يحتاج لنصب الدليل؛ لأن فعل الرسول - ﷺ - لذلك كما معلوم عند كل مسلم يكفي لإثبات مثل هذا الحكم، أما لو كان واجباً وفرضاً لاحتاج منه بيان ذلك وإقامة الأدلة والحجج والبراهين لما قالوا، ولكن هذا لم يحصل، فكان ما قلنا.
(٢) في التمهيد (ص٦٢-١٤٨) فإنه تكلم عن تعريف التجويد وأحاديث تزيين الصوت بالقراءة، والتغني بالقرآن، وتفسير الآيات الواردة في الترتيل، ولم يذكر حكم تعلم التجويد.