وكل كتب المعاصرين في هذا العلم عالة على الكتب القديمة، إلا أنهم عرضوا مادة كتبهم بطريقة عصرية وعبارة إنشائية سهلة توافق ذوق أهل هذا الزمان الذين هجروا العلم والعلماء، فتفاضلوا فيما بينهم بالقدرة على العرض والتمكن من العلم وكثرة مراجعة الكتب القديمة، وعلم التجويد من العلوم التي نضجت واحترقت فلم يبق فيها زيادة للمستزيد؛ إلا أن هذه الكتب المعاصرة أضافت قبل الكلام عن أحكام علم التجويد مباحث متعلقة فيه كتعريفه وغايته ونسبته واستمداده وحكمه وموضوعه وواضعه وثمرته.
والذي يهمنا من هذه المباحث هو ما يتعلق بموضوعنا، وهو حكم تعلم التجويد، وقد توافقت كتب المعاصرين على وجوبه وفرضه على كل مسلم يقرأ القرآن، ونهضوا لذكر الأدلة التي توافق مدّعاهم، وسيأتي ذكرها والرد عليها، وقد كان من بينها بيت الجزري - رضي الله عنه -، ولكثرة الاحتجاج به، وطول الكلام عليه، وحمله على غيره معناه أفردت هذا المبحث للكلام عليه.
قال الجزري - رضي الله عنه - في ((المقدمة الجزرية))(١) و((طيبة النشر في القراءات العشر))(٢):
والأخذ بالتجويد حتم لازم
من لم يجود القرآن أثم
لأنه به الإله أنزلا
وهكذا منه إلينا وصلا
احتج كثير من المعاصرين بكلام الجزري هذا على وجوب تعلم التجويد، وفرضيته على كل مسلم يقرأ القرآن، وهذا الاحتجاج والفهم غير مسلم ويمكن الرد عليه من وجوه، منها:
الأول: أن الأخذ بالبيت الأول على ظاهره لا يمكن؛ إذ فيه إلزام لكل مسلم كبيرٍ أو صغيرٍ، قارئ أو غير قارئ بتطبيق التجويد في قراءته، وهذا الأمر غير متحصّل لكثيرين كالصغير وغير القارئ، وحتى لكثير من القارئين؛ إذاً فلا بد لزاماً أن يكون هذا الظاهر غير مراد عند الناظم، فما المراد إذاً؟
(٢) طيبة النشر)) بشرح ابن الناظم (ص٣٥).