وحكم تلاوة القرآن بأحكام التجويد الوجوب العيني على كل قارئ للقرآن(١).
وهذا التقسيم المذكور لطيف يدركه كل مَن له مسكة عقل وإطلاع على علم التجويد، وليس فيه إشكال، ولكن المشكلة فيما بنوا عليه من التفريق في الحكم، فأين الدليل على هذا التفريق في الحكم بينهما، بأن جعل الأول فرض كفاية والآخر فرض عين. مع أن الأدلة وعبارات الأئمة السابق ذكرها لم تفرق في ذلك، بل ساوت بينهما في الحكم.
أما الأدلة على وجوب التجويد:
فإنهم ذكروا أن حكم التجويد العملي: هو الوجوب العيني على كل من يريد قراءة القرآن الكريم أو شيء منه، وادعوا على أن لهذا الحكم أدلته من القرآن والسنة والإجماع. وسيتضح للقارئ الكريم بعد ذكر هذه الأدلة التي ذكروها أنها ليس لها دلالة فيها على ما ادعوه.
أولاً: القرآن؛ قوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ [المزمل: ٤]، و ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ [الفرقان: ٣٢].
ويمكن رد ذلك من وجوه:
الأول: أن هاتان الآيتان عقدت لهما فصلاً مستقلاً في بيان أقوال الصحابة والتابعين وأئمة المفسرين في معناهما وتفسيرهما والمقصود منهما، فلم نقف على كلام واحد منهم يصرح فيه بأن فيهما دلالة على الوجوب، بل أنهم لم يذكروا فيهما دلالة على أحكام التجويد، وإنما المقصود التبيين والتفصيل والتمهل والترسل والتؤدة في القراءة. وقد فصلنا الكلام هناك فلا حاجة للإعادة.
الثاني: أن كبار الأئمة وفقهاء الأمة وفي مقدمتهم الإمام الشافعي استأنسوا بالآية مع فعل الرسول - رضي الله عنهم - في الدلالة على الاستحباب والسنية في قراءة القرآن بالترتيل، ولم نقف على قول واحد منهم ذكر أن الآية تدل على الوجوب، وقد ذكرت فصلاً مستقلاً في ذكر أقوال الأئمة في المذاهب الأربعة في ذلك، وكيف أنهم نصوا على الاستحباب وذكروا الآية من أدلة ذلك، وزيادة التفصيل هناك.