الثالث: في تصريح الإمام علي القاري في عدم دلالة الآية على ذلك، إذ قال(١): (( ﴿ وَرَتِّل القُرْآن تَرْتِيلا ﴾ عن مجاهد: أي ترسل فيه ترسلاً، والمعنى تمهل في المبنى ليتبين لك المعنى كما قال تعالى: ﴿ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ﴾ (٢) و ﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ (٣)، وعن الضحاك: انبذه حرفاً حرفاً. وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: بيّنه تبييناً. وقال بعض العلماء: أي تلبَّث وتثبَّت في قراءته وافصل الحرف من الحرف الذي بعده ولا تستعجل، فيتداخل بعض الحرف في بعض. ولا يخفى أن الآية بهذه المعاني لا دلالة فيها على المدعى ـ أي الوجوب ـ.
وكذا ما ذكره ابن المصنِّف من قوله سبحانه: ﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ (٤)، وغير المكث بالترتيل، وهو غير مستقيم بحسب التفسير والتأويل.
وكذا في قوله تعالى: ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ أي أنزلنا بالترتيل أي بالتجويد، فإنه أنزله بأفصح اللغات، بل معناه: بيناه تبييناً وفصلناه تفصيلاً كما دل عليه صدر الآية)).
وقالوا: ﴿ وَرَتِّل ﴾ فعل أمر، وهو هنا للوجوب؛ لأن الأصل في الأمر أن يكون للوجوب ما لم تصرفه عنه قرينة، ولم توثر قرينة هنا تصرفه عن الوجوب إلى غيره فيبقى على الأصل وهو الوجوب.
ويمكن الجواب عن ذلك بوجوه منها:
الأول: هذا الإدعاء غريب للغاية، فقد مرَّ معنا أن المفسرين لم يفسروا هذه الآية في أنها تفيد أحكام التجويد، فكيف يدعى أن ما لا دلالة فيه على الحكم يفيد الأمر فيه الوجوب في ذلك الحكم.
(٢) طه: ١١٤.
(٣) القيامة: ١٦.
(٤) الاسراء: ١٠٦.