فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخفة والثقل بأحد هذه الأسباب الخمسة، أو بأكثرها، سبق اللفظ الدال على ذلك المعنى السابق، وكان ترتب الألفاظ بحسب ذلك، نعم، وربما كان ترتب الألفاظ بحسب الخفة والثقل، لا بحسب المعنى، كقولهم ربيعة ومضر، وكان تقديم مضر أولى من جهة الفضل، ولكن آثروا الخفة لأنك لو قدمت مضر في اللفظ كثرت الحركات، وتوالت، .
فلما أخرت وقف عليها بالسكون
قلت : ومن هذا النحو الجن والإنس، فإن لفظ الإنس أخف لمكان النون الخفيفة، والسين المهموسة، فكان الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وجمامه، وأما في القرآن فلحكمة أخرى سوى هذه قدم الجن على الإنس في الأكثر، والأغلب، وسنشير إليها في آخر الفصل إن شاء الله.
أما ما تقدم بتقدم الزمان فكعاد وثمود، والظلمات والنور، فإن الظلمة سابقة للنور في المحسوس والمعقول، وتقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول، وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل.
قال سبحانه :( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة )، فالجهل ظلمة معقولة، وهي متقدمة بالزمان على نور العلم، ولذلك قال تعالى :( في ظلمات ثلاث )، فهذه ثلاث محسوسات ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وثلاث معقولات : وهي عدم الإدراكات الثلاثة المذكورة في الآية المتقدمة، وفي الحديث إن الله خلق عباده في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره،
ومن المتقدم بالطبع نحو ( مثنى، وثلاث، ورباع)، ونحو :( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم.. الآية ) وما يتقدم من الأعداد بعضها على بعض، إنما يتقدم بالطبع كتقدم الحيوان على الإنسان والجسم على الحيوان.