ومن هذا الباب تقدم العزيز على الحكيم، لأنه عز فلما عز حكم، وربما كان هذا من تقدم السبب على المسبب، ومثله كثير في القرآن نحو ( يحب التوابين ويحب المتطهرين ) لأن التوبة سبب الطهارة، وكذلك :( كل أفاك أثيم الشعراء )، لأن الإفك سبب الإثم، وكذلك :( كل معتد أثيم ).
وأما تقدم هماز على مشاء بنميم، فبالرتبة لأن المشي مرتب على القعود في المكان، والهماز هو العياب، وذلك لا يفتقر إلى حركة وانتقال من موضعه بخلاف النميمة.
وأما تقدم منّاع للخير على معتد، فبالرتبة أيضا لأنّ المناع يمنع من نفسه، والمعتدي يعتدي على غيره ونفسه قبل غيره.
ومن المقدم بالرتبة :( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر )، لأن الذي يأتي راجلا يأتي من المكان القريب، والذي يأتي على الضامر يأتي من المكان البعيد، على أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال : وددت أني حججت راجلا، لأن الله قدم الرجالة على الركبان في القرآن الكريم، فجعله ابن عباس من باب تقدم الفاضل على المفضول، والمعنيان موجودان.
وربما قدم الشيء لثلاثة معان، وأربعة، وخمسة، وربما قدم لمعنى واحد من الخمسة، ومما قدم للفضل، والشرف، ( فاغسلوا وجوهكم، وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم، وأرجلكم).
وقوله :( النبيين والصديقين) ومنه تقديم السميع على البصير، وسميع على بصير،
ثم قال في بدائع الفوائد :( وأما تقديم السماء على الأرض فبالرتبة أيضا، وبالفضل والشرف،
وأما تقديم الأرض في قوله :( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ) فبالرتبة أيضا لأنها منتظمة بذكر ما هي أقرب إليه، وهم المخاطبون بقوله :( ولا تعملون من عمل )، فاقتضى حسن النظم تقديمها مرتبة في الذكر مع المخاطبين الذين هم أهلها، بخلاف الآية التي في سبأ، فإنها منتظمة بقوله :( عالم الغيب )،