وأما تقديمه المال على الولد في كثير من الآي فلأن الولد بعد وجود المال نعمة ومسرة، وعند الفقر وسوء الحال هم ومضرة، فهذا من باب تقديم السبب على المسبب، لأن المال سبب تمام النعمة بالولد.
وأما قوله :( حب الشهوات من النساء والبنين )، فتقديم النساء على البنين بالسبب، وتقدم الأموال على البنين بالرتبة، ومما تقدم بالرتبة ذكر السمع والعلم، حيث وقع فإنه خبر يتضمن التخويف والتهديد فبدأ بالسمع لتعلقه، بما قرب كالأصوات وهمس الحركات، فإن من سمع حسك، وخفى صوتك، أقرب إليك في العادة، ممن يقال لك أنه يعلم، وإن كان علمه تعالى متعلقا بما ظهر، وبطن، وواقعا على ما قرب، وشطن، ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم.
وأما تقديم الغفور على الرحيم، فهو أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة تطلب قبل الغنيمة، وفي الحديث أن النبي قال لعمرو بن العاص :( أبعثك وجها يسلمك الله فيه ويغنمك وأرغب لك رغبة من المال )، فهذا من الترتيب البديع بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب.
وأما قوله :( وهو الرحيم الغفور ) في سبأ، فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة، فإما بالفضل والكمال، وإما بالطبع لأنها منتظمة بذكر أصناف الخلق من المكلفين، وغيرهم من الحيوان، فالرحمة تشملهم، والمغفرة تخصهم، والعموم بالطبع قبل الخصوص، كقوله :( فاكهة ونخل ورمان )، وكقوله :( وملائكته ورسله وجبريل وميكال)،
ومما قدم بالفضل قوله :(واسجدي واركعي مع الراكعين ) لأن السجود أفضل وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
فإن قيل : فالركوع قبله بالطبع والزمان، والعادة لأنه انتقال من علو إلى انخفاض، والعلو بالطبع قبل الإنخفاض فهلا قدم الركوع.


الصفحة التالية
Icon