فإن قيل : فهلا كذلك في قوله :( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ) وما بالها جاءت مفردة، قيل : جاءت مفردة لأن المراد أهل هذه الجهة، ومصيرهم ومآلهم إلى جهة واحدة، وهي جهة الشمال، مستقر أهل النار، والنار من جهة الشمال، فلا يحسن مجيئها مجموعة لأن الطرق الباطلة وإن تعددت فغايتها المرد إلى طريق الجحيم، وهي جهة الشمال، وكذلك مجيئها مفردة في قوله :( عن اليمين وعن الشمال )، لما كان المراد أن لكل عبد قعيدين، قعيدا عن يمينه، وقعيدا عن شماله يحصيان عليه الخير، والشر، فلكل عبد من يختص بيمينه، وشماله من الحفظة فلا معنى للجمع ههنا.
وهذا بخلاف قوله تعالى حكاية عن إبليس :( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم )، فإن الجمع هنا في مقابلة كثرة من يريد إغواءهم، فكأنه أقسم أن يأتي كل واحد، من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ولا يحسن هنا عن يمينهم، وعن شمالهم، بل الجمع ههنا من مقابلة الجملة بالجملة المقتضى توزيع الأفراد، ونظيره :( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق)،

فصل


في أن أكثر الفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعدا هي من قبيل
استعمال اللفظ في حقيقته الواحدة المتضمنة لهما، لا من قبيل المشترك ولا استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز
قال ابن القيم في بدائع الفوائد :( قوله تعالى :( إذا سألك عبادى عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) يتناول نوعي الدعاء ـ يعني دعاء العبادة، ودعاء المسألة، وبكل منهما فسرت الآية، قيل : أعطيه إذا سألني، وقيل أثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان، وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما أو استعمال اللفظ في حقيقة ومجازه، بل هذا استعمال له في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعا، فتأمله فإنه موضع عظيم النفع، قل من يفطن له.


الصفحة التالية
Icon