ومما يدل على مكانة التفسير عند الداني رحمه الله أنه يذكر التفسير في سياقٍ لا علاقة له بالوقف والابتداء؛ وهذا كما فعل عند قوله تعالى: ﴿ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ حيث استطرد بذكر الخلاف الواضح بين ابن مجاهد وأئمة التفسير.(١)
وحتى لا يخرج هذا البحث عن غرضه، فإنِّي سأقف وقفاتٍ قصيراتٍ أبيِّن فيها رؤوس أقلامٍ لمسائلَ مهمّةٍ قد تكون باباً لمن يريد الكتابة عن ((الداني مفسِّراً)) بشكل أوسع، ودراسةٍ أعمق. فأقول وبالله التوفيق:
المطلب الأوَّل: اعتماده على يحيى بن سلاَّم:
ظهر بكل جلاء ووضوح المكانة المهمة التي نالها شيخ المفسرين المغاربة الإمام يحيى بن سلاَّم رحمه الله في كتاب الداني "المكتفى" وذلك من خلال المادة العلمية الوافرة التي جاءت عنه، فلا تكاد تجد مسألة تفسيرية اعتنى بها الداني إلا وتجد ذكر ابن سلاَّم معها، فهو رحمه الله مذكور في التفسير المسند سواء إلى النبي - ﷺ - أو إلى الصحابة - رضي الله عنه - أو إلى التابعين رحمهم الله تعالى، ثم هو أيضاً مذكور في الأسانيد الموقوفة عليه، وثم هو أيضاً –مرة أخرى- مذكور ضمن الأقوال التي يذكرها الداني رحمه الله غير مسندة، كأن يكتفي باسم قائلها، وقبل الشروع في بيان كل ذلك، يحسن بنا أن أعرِّف القارئ الكريم بيحيى بن سلاَّم وأعطي نبذة مختصرة عنه، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
اسمه وكنيته ولقبه:
هو يحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة(٢)، أبو زكريا المغربي، البصري، ولد سنة: ١٢٤هـ(٣).

(١) - انظر: المكتفى: ٣٦٢، ٤٠٣.
(٢) - انفرد الداوودي-فيما لدي من مصادر- بقوله: "ابن ثعلب" فلعل في العبارة تصحيفاً من الناسخ. انظر: طبقات المفسرين: ٢/٣٧١.
(٣) - السير: ٩/٣٧٩، ويلاحظ هنا أنَّ المحقّق أشار في الحاشية إلى "غاية النهاية" وهو سهو منه أو من المطبعة؛ حيث ليس في "الغاية" ذكر تاريخ مولد يحيى بن سلاَّم أصلاً، ولعل الحاشية للمعلومة بعدها، وهي تاريخ الوفاة.


الصفحة التالية
Icon