ومما يلاحظ أيضاً هو أنَّ الداني رحمه الله لم يتبع ((نقد)) الأقوال الضعيفة في التفسير الذي يرويه، ولا أقصد هنا ((الضعف)) في الإسناد، لا، بل أقصد ((الضعف)) في التفسير نفسه، وهذا كما في قوله تعالى: ﴿ ولَقَدْ هَمَّتْ به وهَمَّ بها... ﴾ (١).
المطلب الخامس: اختياراته وترجيحاته:
كتاب "المكتفى" هو أساساً في علم ((الوقف والابتدا)) والتفسيرُ إنّما هو علمٌ ثانويٌ فيه؛ فلهذا نجد الاختيارات التفسيرية والترجيحات ليست بتلك الكثرة، وأكتفي هنا بذكر هذه الأمثلة:
١- قال الداني رحمه الله: ﴿ وكَأَيِّن مِن نَّبِيٍ قُتِلَ ﴾ [آل عمران: ١٤٦] كافٍ إذا أسند الفعل إلى النبي - ﷺ - بتأويل: قُتِل النبيُ ومعه جموع كثيرة، فما وهنوا لقتل نبيهم. وهذا الاختيار؛ لأنَّ الآية لذلك السبب نزلت. اهـ(٢)
٢- قال الداني رحمه الله بعد أن ذكر قولي المفسرين في قوله تعالى: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ المسْلِمِينَ ﴾ [الحج: ٧٨]: الضمير ((هو)) قيل: لله تعالى، وقيل: لإبراهيم عليه السلام، قال الداني: والأول هو الاختيار من جهتين: إحداهما: أنَّ قوله عز وجل: ﴿ رَبَّنَا واجْعَلْنَا مُسْلَمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ﴾ [البقرة: ١٢٨]، ما بعده ليس بتسمية وإنَّما هو دعاءٌ، والثانية: ورد الخبر عن رسول الله - ﷺ - بأنَّ اللهَ تعالى سمّانا المسلمين. اهـ ثم ذكر الخبر مسنداً(٣).

(١) - هذه مسألة من المسائل العويصة في التفسير، وعبارات العلماء متجاذبة مع اتفاقهم على عصمة الأنبياء من الكبائر، وأحسن ما رأيت فيها رسالة "تحقيق الكلام في براءة يوسف عليه السلاَّم" تأليف الشيخ الفقيه الخطيب الشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي الأندلسي، وهي مطبوعة كاملة في كتاب: "المعيار المغرب" للونشريسي: ١١/١٩٤. والله أعلم.
(٢) - المكتفى: ٢١١.
(٣) - المكتفى: ٣٩٨.


الصفحة التالية
Icon