فهذه خمس وسبعون رواية تفسيرية مسندة منه رحمه الله إلى هؤلاء الأئمة التابعين، مما يدل على كثرة مرويات هذا الإمام رحمه الله، ومدى اهتمامه بعلم التفسير، وأنه لم يك(١) مقتصراً على ((القراءات)) التي شهر بها حتى أصبح وكأنه لا يعدوها لا رواية ولا تأليفاً.
ونظراً لكثرة هذه المرويات وأصحابها، ولكون هذا البحث ليس "رسالة علمية" وإنما هو محاولة لفتح الباب للباحثين للمضي قدماً في دراسة تراث هذا العالم الجليل والإمام الفاضل في علوم أخرى غير العلوم التي عُرف بها خاصة وأنها علوم رواية لا دراية.
أقول: نظراً لما تقدّم فإني سأكتفي هنا بإيراد نقاط محددة تكون تبياناً وبياناً لما يريده البحث، فأقول وبالله التوفيق:
أوَّلا: إن هذه المرويات عن التابعين متعددة الجوانب التفسيرية، فمنها ما هو تفسير محضٌ بمعنى أنَّه إما بيان لمعنى الكلمة المفردة، وإما بيان للمعنى الإجمالي للآية، فمن الأول: نحو تفسير مجاهد رحمه الله لكلمة: "سرّاً" من قوله تعالى: ﴿ لا تُواعِدُوهنَّ سِراً ﴾ [البقرة: ٢٣٥]، قال: لا تخطبها في عدّتها.(٢)اه.

(١) - عن قصدٍ حُذفت النون هنا من ((يكن)) لبيان جوازها، بل وصحتها لغة، فـ((يك)) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون في النون المحذوفة للتخفيف، وهذه النون لها حالتان:
إما أن يكون بعدها ساكن أو متحرك كما هنا؛ فإن كان بعدها ساكن فعند الجمهور لا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر.
وأما إذا كان ما بعد النون متحرك فالحذف والإثبات فصيح مذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ ﴾ [النحل: ١٢٧]، وقوله تعالى: ﴿ ولا تَكُ في ضَيْقٍ ﴾ [النمل: ٧٠] وكلاهما رضي. والله أعلم.
انظر: الخصائص: ١/٩٠، الخزانة: ٤/٧٢.
(٢) - المكتفى: ١٨٧.


الصفحة التالية
Icon