ثمّ بعد أن دُوِّنت العلومُ، وأصبح التفسيرُ علماً قائماً بنفسِه، وانفصل عن علمِ الحديثِ، وكثُرت طرائقُه وتعدّدت مدارسه، ارتأى العلماءُ رحمهم الله تقسيمَه تقسيماً آخر من جهة أخرى، وذلك حتى يُضبط المقبول منه فيُقبل، ويُعرف عكسُه فيُرفضُ، وجعلوه ثلاثة أقسامٍ، وهي(١):
١- التفسير بالرواية، ويقال له أيضاً: التفسير بالمأثور.
٢- التفسير بالدراية، ويقال له أيضاً: التفسير بالرأي.
٣- التفسير بالإشارة، ويقال له أيضاً: التفسير الإشاري.
وسيقوم البحثُ بالحديث عن القسمين الأوَّلين فقط بشكلٍ مختصرٍ مع التنبيه على أنَّ القسم الأوَّل هو الذي يهمُّنا في هذا البحث، فنقول وبالله التوفيق:
أوَّلاً: التفسير بالرواية: ((المأثور)):
والمراد به هو: ما جاء في القرآن أو السنّة أو كلام الصحابة - رضي الله عنهم - صحيحاً بياناً لمراد الله تعالى من كتابه(٢)؛ وذلك لأنَّ القرآن الكريم بعضه يُفسّر بعضاً، والسنةُ النبويةُ الصحيحةُ الثابتةُ عن النبي - ﷺ - هي شرحٌ للقرآن الكريم، وعليه فلا شكّ في قبول هذين الأمرين؛ لأنَّ الله تعالى أعلم بمراد نفسه من غيره، ولأنَّ النبي - ﷺ - مقطوعٌ بعصمته وتوفيقه، وقد بيَّن الله تعالى أنَّه مبيِّنٌ للقرآن وذلك في قوله تعالى: ﴿ وأنزَلْنَا إليْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ مانُزِّلَ إليهِم ﴾ [النحل: ٤٤].

(١) - انظر: مناهل العرفان: ١/٤٧٩.
(٢) - النص ما عدا كلمة ((صحيحاً)) هو للزرقاني رحمه الله في: مناهل العرفان: ١/٤٨٠.


الصفحة التالية
Icon