والمراد بالرأي هنا: الاجتهاد(١)، وليس قصدهم مطلق الاجتهاد الخالي من الشروط والضوابط، بل مرادهم ((اجتهاد)) مبنيّ في الأساس على أمور كثيرة أهمها أربعة:
الأوَّل: النقل عن رسول الله - ﷺ - مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
الثاني: الأخذ بقول الصحابي - رضي الله عنه -.
وقد سبق الحديث عن هذين الأمرين قبل قليل.
الثالث: الأخذ بمطلق اللغة؛ لأنّ القرآن الكريم نزل ﴿ بِلِسَانٍ عرَبِيّ ٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: ٥٩]، وهذا مروي جوازه عن الإمامين الجليلين مالك وأحمد رحمهما الله، قال مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يُفسّر كلامَ الله إلاَّ جعلته نَكالاً(٢).
وقد علّل العلماء إحدى الروايتين عن الإمام أحمد والتي فيها الكراهية باستشهاد الشعر للقرآن فقالوا: الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معانٍ خارجةٍ محتملةٍ يدلّ عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالباً إلا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها.
الرابع: التفسير بالمقتضى من معنى الشعر، والمقتضَب من قوة الشرع(٣)، وهو الذي دعا به النبي - ﷺ - لابن عباس رضي الله عنهما في قوله - ﷺ - :(اللهم علّمه التأويل، وفقّهه في الدين) (٤).
ومن ههنا اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - في معنى الآية، فأخذ كلّ واحد برأيه مقتضى نظره في المقتضى.
قال الزركشي رحمه الله: لا يجوز تفسير القرآن بمجرّد الرأي والاجتهاد من غير أصل(٥) لقوله تعالى: ﴿ ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بِه عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: ٣٦].

(١) - مناهل العرفان: ١/٥١٧.
(٢) - انظر: البرهان: ٢/١٦١.
(٣) - انظر: البرهان: ٢/١٥٨-١٦١، الإتقان: ٤/١٨١-١٨٢.
(٤) - المستدرك على الصحيحين: ٣/٥٣٤، وقال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٥) - البرهان: ٢/١٦١.


الصفحة التالية
Icon