القراءات القرآنية الصحيحة وحي الله تعالى، في كلامه المنَزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فلا مدخل فيها لبشر، غير التبليغ والتلقي والتعليم، فمصدرها الوحي الإلهي أولاً، ثم حملها الإقراء فنشرها على ما يقتضيه ذلك من ضوابط.
وقد تحققت للقراءات القرآنية الصحيحة كل مقاييس الضبط التام والتوثيق الكامل، في كل مراحل انتقالها من الوحي إلى واقع حياة الأمة الإسلامية.
فإذا ما تعددت وجوه هذه القراءات المنقولة في إطار هذا الضبط والتوثيق فإنما ذلك من لحظة تلقيها وحياً قرآنيا يجب الإيمان به كله، ومن ثم تسجيله محفوظاً لتنقله الأجيال، كما هو، قراءة، قراءة، كما تحفظه آية، آية، وكلٌّ حَقٌّ منَزَّل من عند الله، تلاه الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرأهم به وأقرهم عليه، فنشروه مع انتشارهم في الأرض، وتعليمهم التابعين من بعدهم، وكل يقرأ ويقرئ كما عُلِّم، فانتشرت متعددة منضبطة في كل عصر تبعاً لطرق الأخذ والرواية بالمشافهة التي يختارها القراء.
قال نافع إمام القراءة بالمدينة رضي الله عنه: ((قرأت على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شذ فيه واحد تركته حتى اتبعت هذه القراءة))(١).
وبالتتبع التام لكيفية نقل القراءات القرآنية الصحيحة بين أجيال المسلمين عبر التاريخ، لم ترصد أية شائبة انخرام في مقاييس الضبط والتوثيق التي صاحبت التلاوة الأولى، عقيب الوحي وإلى وقت التدوين والنشر العام، بمختلف وسائله وحتى الآن.

(١) الإبانة، مكي بن أبي طالب، ص ٤٩.


الصفحة التالية
Icon