يقول ابن الجزري – رحمه الله -(١) عنها: ((فقام جهابذة علماء الأمة، فبالغوا في الاجتهاد، وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها، وها نحن نشير إليها فنقول: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السَّلف والخلف)).
وهذه الضوابط، أو الأركان الثلاثة، هي التي يتعرض المستشرقون للطعن في قراءات القرآن الكريم، من جهة كل واحد منها أو من ثلاثتها مجتمعة.
الإطار العام للرؤية الاستشراقية
أولاً: مجالها
تقوم الخطة الاستشراقية الدائمة على الطعن في القرآن الكريم، بإثارة الشكوك حول جميع جوانبه، بدءا بمصدره، وكيفية تلقيه وتلقينه، وروايته وتدوينه، وكذلك محتواه وتأثيره، وانتهاء بما عسى أن يظنه المستشرقون ثغرة لسهام مطاعنهم، تلك التي يتابع بها آخرهم أولهم.
ولقد قام المستشرقون –قديما وحديثا– بمحاولات كثيرة متنوعة، وسموها بسمة البحوث العلمية المحايدة، في ميدان القراءات القرآنية، أخص ما في دين الإسلام، وأصول القرآن الكريم، فخاضوا – عامدين – فيما لا خوض فيه، وبخاصة لأمثالهم، فلا منهج علمي يوجه خوضهم، ولا هدف سوي يضبط قصدهم.