٢- ويربط بلاشير هذه الحرية المزعومة بأسباب تاريخية وسياسية دعت إليها في نظره فيقول في كتابه (المدخل إلى القرآن: ٦٩-٧٠) ما نصه:
((خلال الفترة التي تبدأ من مبايعة علي، عام ٣٥ه، حتى مبايعة الخليفة الأموي الخامس، عبد الملك، عام ٦٥ه، كانت جميع الاتجاهات تتواجه، فالمصحف العثماني قد نشر نفوذه في كل البلاد،... فبالنسبة إلى بعض المؤمنين، لم يكن نص القرآن بحرفه هو المهم، وإنما روحه، ومن هنا ظل اختيار الوجه (الحرف) في القراءات التي تقوم على الترادف المحض – أمرا لا بأس به، ولا يثير الاهتمام. هذه النظرية التي يطلق عليها (القراءة بالمعنى) كانت دون شك من أخطر النظريات، إذ كانت تكل تحديد النص إلى هوى كل إنسان))(١).
٣- ويشير مستشرق ثالث وهو آرثر جفري إلى أثر هذه الحرية في القراءة فيما يسميه التطور في القراءات القرآنية إلى درجة التغيير والتحوير فيقول - في تقديمه لكتاب المصاحف لابن أبي داود ص٣ حين نشره محققا، وألحق(٢) به ضعف حجمه قراءات شاذة - ما نصه:
((نشر في أيامنا هذه علماء الشرق كثيراً مما يتعلق بتفسير القرآن وإعجازه وأحكامه، ولكنهم إلى الآن لم يبينوا لنا ما يستفاد منه التطور في قراءاته، ولا ندري على التحقيق لماذا كفوا عن هذا البحث، في عصر له نزعة خاصة في التنقيب عن تطور الكتب المقدسة القديمة، وعما حصل لها من التغيير والتحوير ونجاح بعض الكتاب فيها))(٣).
نقد رؤية المستشرقين:
ورؤية المستشرقين - هؤلاء الثلاثة وغيرهم - لا تتفق والأصول العلمية، وتكذبها الحقائق التاريخية الثابتة بالوقائع، والمنقولة بالتواتر.

(١) انظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين: ص ٨٤-٨٥ باختصار.
(٢) ملحق كتاب المصاحف بعنوان: Material for the History of the text of the Qur'an، طبعة ليدن، ١٩٣٧/: (تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، ص ٨٢).
(٣) المستشرقون والقرآن الكريم، د. محمد أمين حسن بني عامر، ص ٣٠٥-٣٠٦.


الصفحة التالية
Icon