وأما ما يتعلل به المستشرقون لزعم حرية القراءة بالمعنى، فيقول عنه ابن الجزري رحمه الله(١): ((وأما من يقول إن بعض الصحابة كابن مسعود كان يجيز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه، إنما قال: ((نظرت القراء فوجدتهم متقاربين(٢) فاقرءوا كما عُلِّمتم))، نعم كانوا ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً، لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي ﷺ قرآنا، فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه، لكن ابن مسعود رضي الله عنه كان يكره ذلك ويمنع منه، فروى مسروق عنه أنه كان يكره التفسير في القرآن)).

(١) النشر، ج١، ص ٣٢.
(٢) ساق ابن منظور في (لسان العرب – مادة قرأ) هذا الخبر بلفظ: تسمعت للقرأة فإذا هم متقارئون (رواه اللحياني ولم يفسره... مفاعلة من القراءة). ويفسره بعضهم بقوله: أي يسمع بعضهم بعضا. انظر: القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، د. محمد الحبش، ص٣٢، وبملاحظة الخط في (متقارئين) وجواز إسقاط همزتها في المخطوطات أقول: فلتبحث الدلالة في ضوء هذا أيضاً (الباحث).
الصواب أن معنى أثر ابن مسعود رضي الله عنه :((فوجدتهم متقاربين)) هو تساوي القراء الذين أدركهم ابن مسعود في القراءة. وورد الأثر بهذا اللفظ في المعجم الكبير للطبراني، والسنن الكبرى للبيهقي و غيرهما. أما ما ذكره الباحث منسوبا لرواية اللحياني بالهمز ((فإذا هم متقارئون))، فالمعنى كذلك فيه معنى المساواة والمقاربة؛ لذلك أورد ابن منظور حديث أبيّ في وصف طول سورة الأحزاب في نزولها الأول، فقال: ((إن كانت لتقارئ سورة البقرة)) أي: لتوازيها في الطول. وتمام أثر ابن مسعود يعزِّز هذا المعنى إذ قال: ((فاقرؤوا كما علمتم وإياكم والتنطع)) (اللجنة العلمية)


الصفحة التالية
Icon