وهذه الرؤية الاستشراقية للسند، ركن القراءات القرآنية الأول، لا تتفق والضوابط العلمية لها حسب ما يدعيه المستشرقون من التزام المنهج العلمي المحايد.
فالمنهج العلمي في توثيق نقل القراءات القرآنية، نقلاً منضبطاً، من شيخ إلى تلميذ، يتطلب المعرفة والإحاطة بتراجم الشيوخ ورجال السند عموماً، وأحوالهم علماً وسلوكاً مؤيداً بالوقائع المنقولة عنهم، حسب أصول علم الرواية ومقتضيات التوثيق، ووجوب الاعتماد الكلي عليها في الدراسة، لتوثيق ما يرد عن الرسول ﷺ عن الوحي.
ولقد توافرت هذه الأصول لدى علماء المسلمين - والقراء منهم بالأولى – فالتزموها وضبطوا بمقتضاها القراءات القرآنية وسائر ما تحمله الأسانيد من نصوص.
يقول د. محمد عبد الله دراز(١): ((وكل ما عُني به صحابة رسول الله ﷺ لإثبات صحة النص القرآني هو المطابقة الحرفية لكل جزء منه، طبقاً لما نزل ودوّن في البداية بإملاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلي فيما بعد أمامه، وحمل تصديقه النهائي قبل وفاته. وهذه الموضوعية المطلقة هي الباقية والخالدة على مدى الدهر تشهد لهم لا عليهم)).
بيد أن هذه الأصول الموضوعية المطلقة لم يلتفت إليها كل من بلاشير، أو غولد زيهر من الأساس، فيما يسوقانهما – وكل المستشرقين – من شبهات تتجلى فيها المغالطات التي يقيم عليها كلٌ شبهته، أو يغمز بها في تساؤله حول أمانة الصحابة في نقل القرآن الكريم، بالتلاوة والكتابة، والنسخ والنشر في الآفاق، ولتجلية هذه المغالطات مواضع أخر تؤكد انحراف منهج المستشرقين عن الأصل الصحيح إلى ما يقصدونه ويرونه قدحاً في رجال القرآن الكريم وقراءاته.