وبتلك الدعوى – التي يستشهدون عليها بالشاذ من القراءات، وكذا بمتواترها أيضاً دون تفصيل بين أنواعها(١) – يقطعون صلة القراءات القرآنية بالوحي، وما اعتمدت عليه في أصولها من الأحرف السبعة المتعددة، وفي كيفية نقلها بالسند المتواتر، تلقيا ومشافهة، من مصدرها الإلهي في الوحي إلى حملتها ونقلتها الرجال الأكفاء الضابطين لها أيما ضبط وتوثيق.
ومن جهة أخرى يهدمون ركن القراءات الأول وهو النقل بالسند عن أئمة القراءة إلى رسول الله ﷺ الموحى إليه بها كلها (على سبعة أحرف، كلها شاف كاف) والمنبه عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((فاقرؤوا كما علمتم )).
فالرسول ﷺ لم يزل يشافه الصحابة بالقرآن، ويبعث منهم المعلمين وهم عديدون، يقدّمهم النبي صلى الله عليه وسلم، حسب ما مع كل منهم من القرآن على غيرهم، فكانت قراءاتهم متعددة في حياته صلى الله عليه وسلم، وأقرهم عليها وصوب هذا التعدد لهم، قبل أن تنسخ المصاحف العثمانية وتنضبط على رسمها الخاص وجوه القراءات القرآنية فيما بعد، مع ضابطيها الآخرَين، وكل الضوابط الثلاثة - فضلاً عن أحدها - لا تُنْشئ القراءة، ، وإنما تحكم عليها.
وفي رد هذه الفرية الاستشراقية التي تدحضها حقائق الواقع التاريخي مع الشواهد النصية نشير أولاً إلى أن ما ارتآه المستشرقون مرجعاً لنشأة قسم كبير من اختلافات القراءات القرآنية، وهو طبيعة الخط العربي وقت تدوين المصحف، كما يتوهمون، كان هو ذاته سبباً مساعداً في استيعاب تدوين القراءات الصحيحة في المصحف الإمام، على وجه ميسور جامع لها برواياتها المتعددة المسندة كلها، على تنوعها في كيفية التدوين هذا.