وفي هذا المطعن اللغوي يسوق غولد زيهر شاهداً عليه من الآية ٩ من سورة الحجرات ليقرر أنها تخالف (قواعد النحو الدقيقة) لأن ضمير جمع المذكر في (اقتتلوا) عاد على مثنى المؤنث في (طائفتان) فلابد من أن تصحح هذه المخالفة – في نظره – باختراع قراءة ما مطابقة للقواعد النحوية، وقد بين الشيخ عبد الفتاح القاضي(١) -رحمه الله – وغيره- ما يجهله غولد زيهر والمستشرقون من قواعد اللغة العربية، وعلاقتها بالقرآن، فقد جرت الآية الكريمة على أفصح الأساليب، وأبلغ التراكيب، ذلك أن (طائفتان) مثنى طائفة، وبدهي أن الطائفة تجمع أفراداً كثيرين، فحينئذ يكون (طائفتان) في معنى القوم والناس، فأتى بواو الجمع في (اقتتلوا) باعتبار معنى (طائفتان).. ثم قد راعى اللفظ أيضاً في قوله تعالى (فأصلحوا بينهما).. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد أوفت على الغاية في روعة الأسلوب ورصانة التركيب، وجلال المعنى، وسمو المغزى.
وأما عن علاقة قواعد اللغة العربية بالقرآن الكريم ((فالكلام العربي وفي مقدمته القرآن والسنة مصدر هذه القواعد، منه نشأت، وعنه أخذت، فهو الأصل وهي الفرع، ولا يعترض بالفرع على الأصل))(٢).
وهذه العلاقة الأصلية معلومة لغولد زيهر، فهو قد نقل عن علماء المسلمين أن العربية تصحح بالقراءة، لا القراءة بالعربية ((فالقرآن يقدم المقياس المصحح للاستعمال العربي الصحيح، لا العكس))(٣) ا. ه. أقول: وإذا كان الأمر كذلك، فأين هي مشاكل القرآن اللغوية؟، وكيف، ومن أين تأتي تلك التي يختلقها المستشرقون طعناً على نصه الكريم ووحي الله فيه؟!.

(١) انظر القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، ص ١٩٩-٢٠٠ باختصار.
(٢) السابق، ص ١٩٩.
(٣) مذاهب التفسير الإسلامي، غولد زيهر، ص ٦٨، وانظر، ص ٦٩ منه.


الصفحة التالية
Icon