قال ابن قتيبة :"وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء وييسر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يُقريء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم...." (١)
ويدل حديث أبي، أن الشيطان قد يستغل تساؤل المرء كيف يقرأ كلام الله على سبعة أوجه؟
فيقذف الشك في نفس هذا الرجل ليكدر صفو إيمانها، ويوهن من قوة يقينها بالله ورسوله وكتابه.
لكن رسول الله ﷺ يعالج أبياً بضربة نبوية على صدره، ليزول الشك قبل أن يستقر في قلبه، فهو رضي الله عنه غير مؤاخذ لأن الشك ما استقر في قلبه، فكان كما قال القرطبي في تفسيره :" ولما رأى النبي ﷺ ما أصابه من ذلك الخاطر نبهه بأن ضربه في صدره، فأعقب ذلك أن انشرح صدره، وتنور باطنه حتى آل به الكشف والشرح إلى حال المعاينة، ولما ظهر له قبح ذلك الخاطر خاف من الله تعالى وفاض بالعرق استحياءً من الله تعالى، فكأن هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبي ﷺ حين سألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال :"وقد وجدتموه"! قالوا نعم، قال : ذلك صريح الإيمان" (٢)
المسألة الخامسة: عدة الأحرف سبعة على الحقيقة
تدل الأحاديث الواردة أن المراد بالأحرف السبعة هي سبعة على الحقيقة، فالرسول ﷺ لما طلب الاستزادة منها ما طلب ذلك إلا تخفيفاً للأمة.
كما تدل الأثار أن كل حرف من الحروف السبعة المنزلة قرآن والقراءة بحرف واحد منها كافي لأن كل حرف مستغن بذاته عن غيره

(١) تأويل مشكل القرآن، أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ص ٣٠ طبع عيسى الباب الحلبي، القاهرة
(٢) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي ١/٤٩ طبعة دار الكتب المصرية ١٩٣٥م


الصفحة التالية
Icon