ثمّ وجدت كلاماً للكرماني كأني رأيت فيه حلاًّ لذلك الإشكال ؛ وهو قوله :" ذهب بعض القرّاء إلى أنه ليس في هذه السورة [ الأحزاب ] ما يذكر في المتشابهات، وبعضهم أورد فيها كلمات وليس في ذلك كثير تشابه ؛ بل قد يلتبس على الحافظ القليل البضاعة، وعلى الصبي القليل التجارب ؛ فأوردتها إذ لم تخل من فائدة، وذكرت مع بعضها علامة يستعين بها المبتدئ في تلاوته " (١).
فتبيّن لي : أنه يريد بالمتشابه- المنفي هنا وفي المواضع الأخرى- المتشابه الذي ينشأ عنه إلباس وإشكال- إما في التوجيه والحكمة أو في الحفظ والتلاوة-. ومما يؤيّد ذلك أن إزالة اللبس والإشكال الناشئ عن التشابه اللفظي من المقاصد التي أرادها المؤلّفون في توجيه المتشابه(٢) ؛ كما قال الخطيب الإسكافي – في مقدّمة كتابه(٣)- :".. تطلُّباً لعلامات ترفع لَبْس إشكالها، وتخصّ الكلمة بآيتها دون أشكالها "، وكذلك قول ابن الزبير الغرناطي في مقدمة كتابه(٤) :" وقد استجرّتْ تلك الآيات جملةً وافرة من المقفلات، من أمثال تلك المشكلات، مما يجاري ويشبه، ويلتبس على من قصر في النظر ويشتبه ".
الثاني : أني لم أجد من تكلّم عن أقل مقدارٍ للتشابه بين الآيتين ؛ يكون حّداً لما يمكن اعتباره من المتشابه اللفظي مما ليس منه. وهل يدخل فيه كل ما يُذكر من إحصاءات لألفاظ القرآن وأدواته وحروفه في المعاجم الموضوعة لذلك ؟
(٢)... درة التنزيل للإسكافي : ت : د. محمد آيدين : قسم الدراسة : ١/ ٧١.
(٣)... درّة التنزيل : ١/ ٢١٧. وانظر كلام الكرماني في مقدمته للبرهان : ص ١١٠ ؛ فهو قريب منه جداً.
(٤)... ملاك التأويل : ١/ ١٤٧. وانظر منه – أيضاً - : ٢/ ١١٤٦.