وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا دَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ عَدَا هَؤُلَاءِ عَلَى أُولَئِكَ، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ عَوْدَةِ حَالِ الْحَرْبِ الْعَامَّةِ مَعَهُمْ، وَفَتْحِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِمَكَّةَ، الَّذِي خَضَدَ شَوْكَةَ الشِّرْكِ وَأَذَلَّ أَهْلَهُ، وَلَكِنَّهُمْ مَا زَالُوا يُحَارِبُونَهُ حَيْثُ قَدَرُوا، وَثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ لَهُمْ فِي حَالَيْ قُوَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ، أَنَّهُمْ لَا عُهُودَ لَهُمْ وَلَا يُؤْمَنُ نَقْضُهُمْ وَانْتِقَاضُهُمْ، كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ : كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ (٧) إِلَى قَوْلِهِ فِي آخِرِ آيَةِ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَيْ لَا عُهُودَ لَهُمْ يَرْعَوْنَهَا وَيَفُونَ بِهَا. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ بِحُكْمِ الْمُعَاهَدَاتِ الْمَرْعِيَّةِ فَيَأْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمْ شَرَّ الْآخَرِ وَعُدْوَانَهُ، مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى شِرْكِهِمُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَرْعٌ يُدَانُ بِهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ بِإِيجَابِهِ، كَيْفَ وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْمِيثَاقِ، مَنْ كَانُوا أَجْدَرَ بِالْوَفَاءِ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ! (١).
هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ مَا جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ نَبْذِ عُهُودِهِمِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِتْمَامِ مُدَّةِ عَهْدِهِمُ الْمُؤَقَّتَةِ لِمَنِ اسْتَقَامَ مِنْهُمْ عَلَيْهَا، وَأَمَّا حِكْمَةُ ذَلِكَ فَهِيَ مَحْوُ بَقِيَّةِ الشِّرْكِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِالْقُوَّةِ، وَجَعْلُهَا خَالِصَةً لِلْمُسْلِمِينَ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْأُصُولِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ (٢ : ١٩٠) وَقَوْلِهِ : وَإِنْ جَنَحُوا