راجعة إلى اتجاههم وحركتهم وأن مشيئة اللّه بهم إنما تتحقق من خلال هذه الحركة وذلك الاتجاه.
أما النص الثالث فإن مطلعه يتحدث عن طلاقة مشيئة اللّه في إضلال من يشاء. ولكن عقب النص :«وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ... إلخ» يقرر أن اللّه - سبحانه - يقضي بالهدى لمن ينيب إليه فيدل هذا على أنه إنما يضل من لا ينيب ومن لا يستجيب، ولا يضل منيبا ولا مستجيبا. وذلك وفق وعده سبحانه في قوله :«وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا». فهذه الهداية وذلك الإضلال هما مقتضى مشيئته سبحانه بالعباد. هذه المشيئة التي تجري وتتحقق من خلال تغيير العباد ما بأنفسهم، والاتجاه إلى الاستجابة أو الإعراض.
والنص الرابع يقرر أن اللّه لو شاء لهدى الناس جميعا.. وفي ظل مجموع النصوص يتضح أن المقصود هو أنه لو شاء سبحانه لخلق الناس باستعداد واحد للهدى، أو لقهرهم على الهدى. ولكنه - يخلقهم كما خلقهم مستعدين للهدى أو للضلال ولم يشأ بعد ذلك أن يقهرهم على الهدى ولا أن يقهرهم على الضلال - حاشاه! - إنما جعل مشيئته بهم تجري من خلال استجابتهم أو عدم استجابتهم لدلائل الهدى وموحيات الإيمان.
أما النص الخامس فيقرر أن الذين كفروا زين لهم مكرهم وصدوا عن السبيل.. وأخذ أمثال هذا النص بمفرده هو الذي ساق إلى الجدل المعروف في تاريخ الفكر الإسلامي حول الجبر والاختيار.. أما أخذه مع مجموعة النصوص - كما رأينا - فإنه يعطي التصور الشامل : وهو أن هذا التزيين وهذا الصد عن السبيل، إنما كان من جراء الكفر وعدم الاستجابة للّه. أي من جراء تغيير الكفار ما بأنفسهم إلى ما يقتضي أن تجري مشيئة اللّه فيهم بالتزيين والصد والإضلال.
وتبقى تكملة لا بد منها لجلاء هذا الموضوع الذي كثر فيه الجدل في جميع الملل.. ذلك أن اتجاه الناس بأنفسهم لا يوقع بذاته مصائرهم. فهذه المصائر أحداث لا ينشئها إلا قدر اللّه وكل حادث في هذا الكون إنما ينشأ ويقع ويتحقق بقدر من اللّه خاص تتحقق به إرادته وتتم به مشيئته :«إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ»..