حيث ينتقل الخطاب إلى بيان قاعدتين أساسيتين لابدّ للأمة منهما ليستقيم بناؤها، وتتمكن من القيام بدورها، الذي ناطه الله بها، وأخرجها للوجود من أجله، وهاتان القاعدتان المتلازمتان هما الإيمان بالله والأخوة فيه، فالإيمان بالله الركن الأساس مع ما يتضمنه من تقوى الله ومراقبته والاعتصام به جل وعلا، والأخوة في الله التي تجعل من الجماعة المسلمة حية قوية صامدة، قادرة على أداء دورها العظيم في حياة البشرية وفي التاريخ الإنساني(١)، وأساس ذلك ورأسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس إلى الخير والهدى، المتمثل في سبيل الله تعالى المبين وصراطه المستقيم، ألا وهو الإسلام الدين الخاتم الذي لا يقبل الله من أحد سواه ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥]، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ [آل عمران: ١٩].
د) بعد ما سبق يأتي الامتنان الرباني على عباده المؤمنين، وذلك بتذكيرهم بنعمة الله عليهم، حيث ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداء متناحرين، وخصومًا متباعدين، وأشد من ذلك وأعظم أن أنقذهم بالإيمان به من العذاب والنار، حيث لو أنهم ماتوا على ما كانوا عليه في جاهليتهم لكانوا من أصحاب النار لكن الله امتن عليهم وأنقذهم منها(٢)، والرابط هنا بين هذا الامتنان وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والهدى هو أن الله أظهر لهم نعمة نقلهم من حالتي شقاء وشناعة إلى حالتي نعيم وكمال، وكانوا قد ذاقوا بين الحالتين الأمرين ثم الأحلويين فحلبوا الدهر شطرين كانوا أحرياء بأن يسعوا بكل عزمهم إلى انتشال غيرهم من سوء ما هو فيه إلى حُسن ما هم فيه حتى يكون الناس أمة واحدة واحدة خير(٣).
(٢) …انظر: تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(١٤٢).
(٣) …تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور: (٣/٣٦).