بعدما بيّن الله جل وعلا سوء حال أهل الكتاب وامتنانه على أهل الإسلام كان حريًا بأن أول الآية ﴿ولتكن منكم..﴾ أن تعطف بالفاء، ولو عطف بها لكان أسلوبًا عربيًا إلا أنه عُدل عن العطف بالفاء تنبيهًا على أمر مهم وهو: أن مضمون هذا الكلام مقصود لذاته بحيث لو لم يسبق بما سبق من كلام لكان هو حريًا بأن يؤمر به فلا يكون مذكورًا لأجل التفرع عن غيره والتبع(١).
هـ) بين الآيات السابقة وهذه الآية: ﴿ولتكن منكم.. الآية﴾ حسن مقابلة(٢)، وذلك أنه أنكر على أهل الكتاب كفرهم وصدهم الناس عن الإيمان فقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾. وقابل ذلك بأن أمر المؤمنين بالإيمان به والدعاء إليه إذ قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وهذا هو الترتيب الحسن(٣).

(١) …نفسه.
(٢) …نفسه: (٣/٣٦-٣٧).
(٣) …تهذيب التفسير وتجريد التأويل مما أُلحق به الأباطيل ورديء الأقاويل، عبدالقادر شيبة الحمد: (٣/٢٧) (ط١، ١٤١٤هـ، مكتبة المعارف، الرياض).


الصفحة التالية
Icon