ز) لما أمر الله جل وعلا عباده بالاعتصام بحبله، ونهاهم عن التفرق، وذكرهم بحالهم قبل الإسلام؛ وكيف كانوا أعداء متفرقين، وأنه امتن عليهم فجمعهم بعد فرقتهم، وألّف بين قلوبهم، حتى غدو لحمة واحدة؛ إخوانًا متحابين، دلهم على ما يحفظ لهم تلك النعمة العظيمة، التي امتن بها عليهم، وما يساعدهم على القيام بواجبهم في الاعتصام بحبله، وعدم التفرق والتعادي، وذلك من خلال قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو حفاظ الوحدة التي أمرنا الله بها وسياجها الذي يحميها(١).
ثانياً: فقه الدعوة في الآيات اللاحقة :
أ) التحذير من أخطر أسباب الانحراف الذي يمنع من القيام بأجل وظيفة وأعظم مهمة: وهو الاختلاف في أصول الدين، فإن الإشارة هنا إلى اليهود والنصارى الذين اختلفوا في أصول الدين، وهذا الاختلاف قادهم إلى التفرق، ولأجل هذا قدم في الآية الكريمة التفرق على الاختلاف، والاختلاف المراد هنا هو الاختلاف المذموم، وهذا النوع من الاختلاف هو الذي ينتج عنه ولا بد التفرق، وهذا الاختلاف يكون في أصول الديانة، حيث يقود إلى التكفير؛ فيكفر بعض الأمة بعضًا أو يفسقه؛ مما يورث بين أفراد الأمة العداوة والبغضاء، ويجلب التنافر والتباعد، فيكونوا فرقًا وأحزابًا، لا تقبل من الآخر صرفًا ولا عدلاً(٢).
والعجيب هنا أن افتراق اليهود والنصارى وقع بعد ما جاءهم من البينات، التي يجدر بهم الاهتداء بها، والاستفادة منها(٣)، ولكن لم يُقيض لهذه البينات والدلائل، التي فيها عصمة من الوقوع في الاختلاف؛ أفهامًا تدرك معانيها، وتفهم مراميها(٤).
(٢) …انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور: (٣/٤٣).
(٣) …تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(١٤٢).
(٤) …التحرير والتنوير، ابن عاشور: (٣/٤٣).