والمتأمل لرأي الفريق القائل بأنها فرض كفاية؛ يجد أنهم يركزون على قضية مهمة يعترضون بها على القول بفرض العين، وهي -كما ذكرها محمد رشيد رضا في تفسيره بقوله- :(أنه يشترط فيمن يأمر وينهى أن يكون عالماً بالمعروف الذي يأمر به، والمنكر الذي ينهى عنه، وفي الناس جاهلون لا يعرفون الأحكام، ولكن هذا الكلام لا ينطبق على ما يجب أن يكون عليه المسلم من العلم، فإن المفروض الذي ينبغي أن يحمل عليه خطاب التنزيل؛ هو: أن المسلم لا يجهل ما يجب عليه، وهو مأمور بالعلم، والتفرقة بين المعروف والمنكر، على أن المعروف عند إطلاقه يراد به ما عرفته العقول والطباع السليمة، والمنكر ضده وهو ما أنكرته العقول والطباع السليمة، ولا يلزم لمعرفة هذا قراءة حاشية ابن عابدين على الدر، ولا فتح القدير ولا المبسوط، وإنما المرشد إليه -مع سلامة الفطرة- كتاب الله وسنة رسوله المنقولة بالتواتر، والعمل، وهو ما لا يسع أحدًا جهله، ولا يكون المسلم مسلمًا إلا به) (١).
وهنا أمرٌ آخر في رد ما ذهبوا إليه، وهو: أن الدعوة إلى الخير والأمر والنهي لها مراتب، وليست مرتبة واحدة، فمنها ما هو بيّن يستطيع القيام به كل مسلم(٢)، وهناك مراتب يسقط عنه التكليف فيها لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: ٧]، فالقول بأنها فرض عين لا يعني أنها بكل حال، وإنما إذا استطاع ذلك، وأول الاستطاعة وأعلاها أن يملك العلم الذي يأمر وينهى بموجبه، وإلا فإن الجاهل لا يجب عليه ذلك، فهي واجبة على كل فرد بحسبه(٣).

(١) …تفسير القرآن الحكيم، محمد رشيد رضا: (٤/٢٧).
(٢) …التحرير والتنوير، ابن عاشور: (٣/٣٩).
(٣) …تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: (١/٣٩١) (ط١، ١٤٠١هـ، دار الفكر، بيروت).


الصفحة التالية
Icon