أ ) الفوز بما يغتبط به، ونيل الخيرية على كل أمم الأرض؛ ذلك أن الله جل وعلا قال: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾، فهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط؛ من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله(١)، ولا يستحق هذه الخيرية من لم يقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولا يجوز التفريط بشهادة الله، هذه فضلاً عن استرخاصها والانسلاخ عنها، بل يجب على المسلمين أن يحتفظوا بهذه الشهادة ويعتزوا بها بل ويتفانوا في تحصيلها(٢).
فتفضيل هذه الأمة على من قبلها من الأمم؛ إنما حصل لأجل قيامهم بهذه الشعيرة العظيمة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وقد ذهب بعض أهل العلم في تلمس الحكمة من تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآية السالفة: ﴿كنتم خير أمة...﴾ إلى أقوال توضح مكانة القائم بهذا الواجب وعظيم شأنه؛ فذهب بعضهم إلى أن الحكمة في تقديم الأمر والنهي هو كونه محمودًا في عرف جميع الناس -مؤمنهم وكافرهم- يُعترف للقائم به بالفضل، ولما كان الكلام في خيرية هذه الأمة على غيرها؛ قدم الوصف المتفق على حسنه عند المؤمنين والكافرين، وقيل بل لأن الإيمان بالله أمر مشترك بين جميع الأمم المحقة، ثم فضل الله هذه الأمة على سائر الأمم المحقة؛ بكونها أقوى حالاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سائر الأمم(٣).

(١) …المحرر الوجيز، ابن عطية: (١/٤٨٩).
(٢) …صفوة الآثار والمفاهيم، عبدالرحمن الدوسري: (٤/٢٦٧).
(٣) …صفوة الآثار، عبدالرحمن الدوسري: (٤/٢٦٩).


الصفحة التالية
Icon