ولما ذكر الله جل وعلا صفات وأفعال الفرقة الفاسقة من أهل الكتاب عرج بالذكر على الأمة المستقيمة منهم، وفرق بينهم فقال: (ليسوا سواء) وذكر صفاتهم التي ميزتهم، وكان من تلك الصفات التي نالوا بها الفوز والفلاح أنهم قاموا بهذه الشعيرة العظيمة، والفريضة الكريمة، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبهذا حققوا سمة الأمة المسلمة التي انضموا إليها، والتي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس بسبب قيامها بهذه الفريضة العظيمة(١).
ب ) النجاة من الآفة، والسلامة من البلاء، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ينجيهم بفضله إذا أنزل بأسه بأهل الكفر والعصيان؛ الذين نصحهم هؤلاء فلم ينتصحوا، وزجروهم عنهم عن الكفر والمعصية فلم ينزجروا، وقد ضرب الله لنا في كتابهم الأمثال، وحكى لنا أحوال بعض من سبقنا، مما يبيّن ويوضح مآل القائمين بهذه الشعيرة العظيمة، وكيف أنه ينجيهم ويهلك عدوهم، ومن لم يرفع بهذه الفريضة رأسًا، ولو لم يكن عاصيًا أو مشاركًا بالفعل لأهل المخالفة والعصيان قد يدخل معهم، ومن الأمثلة على ذلك قصة أصحاب السبت التي جاءت في كتاب الله تعالى:
﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥]. يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي: (وهكذا سنة الله في عباده أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) (٢)، وقد ذكر بعض المفسرين أن ظاهر النظم القرآني أنه لم ينج من العذاب إلا الفرقة الناهية التي لم تعص، أما الساكتة فقد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر(٣).
(٢) …تيسير الكريم الرحمن، ابن سعدي: ص(٣٠٧).
(٣) …فتح القدير، الشوكاني: (٢/٢٥٧-٢٥٨).